لنفترض انك تريد بناء منصة تربط ما بين المؤسسات التي تبحث عن مختصين بالتسويق الاجتماعي و اخصائيين التسويق الاجتماعي. بعد ان حددت ملامح الفكرة قررت توثيقها على تخطيط نموذج العمل (Business Model Canvas) حيث تستطيع دراسة الفكرة و ابتكار العديد من نماذج الاعمال.

لأنك منصة (نفس الكلام ينطبق على من فكرته تعمل مثل نموذج الأسواق – مثال على ذلك سوق.كوم) اي الشريحتين اهم و التي من المفترض ان تبدأ بتطوير المنصة لها أولاً؟
من ناحية اي منهما مهمة، كلاهما مهمين لإنجاح النموذج و لصنع قيمة لكلا الشريحتين. ايهما تبدأ بالتطوير له الأول، يعتمد.
في اي منصة او سوق هناك شريحة المنصة أو السوق يعمل بالدرجة الأولى له في معظم الاحيان خاصة إذا كانت القيمة لكل شريحة تتطلب من المنصة تطويرها بطريقة مختلفة من اجل تحقيق تلك القيمة. في هذه الحالة المنصة أو السوق عليه أن يغير نموذجه بالاهتمام بشريحة عن الاخرى ولو لفترة لأنه بحاجة لجلب تلك الفئة لإقناع الاخرى بالانضمام. حتى تقنع قووقل و فيسبوك المعلنون بقيمة منصتهما لإعلاناتهم ركزت كلا الخدمتين اولاً على اقناع المستخدمين بقيمة الخدمة من خلال حل مشكلة لهم (قووقل = سهول ايجاد المعلومة من اي مكان على الانترنت، فيسبوك = توفير الادوات اللازمة لتواصل الاشخاص مع بعضهم البعض) و في نفس الوقت حرصتا ان تكونا الوجهة الأولى لهؤلاء المستخدمين و زيادة اعدادهم. بعد ذلك، كان من السهل اقناع المعلنين بقيمة الخدمة لهم و لإعلاناتهم و توفير القيم المناسبة لهؤلاء المعلنين للاستفادة من ما توفر الخدمتين لهم. على الرغم من أن الشريحة التي تدفع (المعلنون) اتت لاحقاً و كان التركيز على الشريحة المجانية (المستخدمين) إلا أن ما ساعد كلا الخدمتين انهما كان لديهما قيمة مميزة و مفيدة لهؤلاء المستخدمين و كان لديهما استثمارات ساعدتهم بالعمل و زيادة قاعدة مستخدميهما من دون الحاجة بسرعة لتحقيق ايرادات. و لكن ليس الجميع قادر على ذلك.
لنتحدث عن مثال آخر و كيف ان اتخاذ قرار بخدمة شريحة عن الاخرى في نموذج عمل منصة يغير الكثير من عناصر النموذج و ترابط عناصر مجموعات النموذج مع بعض. سأتحدث عن Udemy و Lynda.


القيمة التي تقدمها كلا الخدمتين هي باختصار توفير المواد التعليمية التي تساعدك على تعلم المهارات اللازمة من الانترنت. بالطبع هناك اختلافات.
Udemy تتيح للمستخدم التسجيل مجانا و إمكانية التسجيل بالدورات التعليمية المقدمة من قبل المدرب مجاناً إذا المدرب قدمها مجاناً. و الخدمة لا تأخذ من المدرب اي مردود مادي إذا قدم الدورة مجانا، فقط تجني الايرادات في حالة كانت الدورة مدفوعة. فتأخذ حصة من كل عملية شراء. المجال مفتوح للجميع من طلاب و مدربين بالتسجل بالخدمة مجاناً.
Lynda تتيح للمستخدم الاستفادة من مكتبتها الغنية بالمواد التعليمية من قبل مدربين معروفين و المادة التعليمية مُعدة على مراحل في الغالب. مثلاً، دورة في فوتوشوب على احدث نسخة من نسخ البرنامج. ممكن أن تجدها مقدمها على ثلاثة مستويات للمبتدئ، المتوسط و المتقدم. الطالب للاستفادة من هذه المكتبة التعليمية يجب عليه الاشتراك الشهري بأحد باقات الخدمة المدفوعة. بينما لانضمام المدرب، إذا لم تتواصل معهم Lynda مباشرة يمكنهم الاتصال بهم و تعريف نفسه لهم و ربما يحدث هناك تعاون بين المدرب و الخدمة. هناك فلترة على ما يعرض و كيف يقدم المحتوى التعليمي في الخدمة على عكس نظام و نموذج عمل Udemy.
كما ذكرت، كلا الخدمتين عبارة عن منصة لحدٍ ما و كلاهما يقدم مادة تعليمية على الإنترنت لمن يريد تطوير نفسه. و لكن هناك اختلافات. و سبب الاختلافات يكمن في من حاولت الخدمتين خدمته أولاً. هذا القرار فرض عليهم كيف ممكن ان يصبح لحدٍ ما نموذجهم و التغييرات التي يجب ان يقوما بهما لإنجاح نموذجهما و تحقيق القيمة لتلك الشريحة الأهم لديهما.
في Udemy الاهتمام منصب بالدرجة الأولى على شريحة المدربين و مساعدتهم في عرض دوراتهم و توفير المنصة لهم لتقديم محتواهم التعليمي لطلابهم. و لذلك لا تجد قيود على المدربين في العرض و تسهيلهم للطلاب بالتسجيل مجانا ليس إلا طريقة لجذب و اقناع الطلاب بالتسجيل ليستفيد هؤلاء المدربين بتكوين سمعة و كسب المال. لأن بكل بساطة، نموذج Udemy لا يحقق الإيرادات إلا عندما تجني شريحة المدربين المال. ولذلك ما هو مهم للمدربين مهم لنموذج Udemy.
في Lynda الاهتمام منصب على شريحة الطلاب و مساعدتهم في تنمية المهارات التي يحتاجون لها بطريقة منظمة لتحقيق التطور اللازم لإتقان المهارة المراد تعلمها من قبل مدربين معروفين و بإنتاج عالي الجودة. و لذلك تجد مصدر الايرادات الاشتراكات الشهرية من هؤلاء الطلاب. الاهتمام منصب على تحقيق قيمة لهؤلاء الطلاب و انتقاء بعناية من يقوم بشرح تلك المواد التعليمية. و لضمان مستوى جودة الانتاج تجد ان المواد التعليمية يتم انتاجها في استديو هات الشركة. لأن في النهاية الشريحة التي تدفع و تحقق منها الايرادات هم شريحة الطلاب.
و الآن لنرجع لمثالنا الافتراضي عن المنصة التي تربط ما بين المؤسسات التي تبحث عن مختصين بالتسويق الاجتماعي و اخصائيين التسويق الاجتماعي. إذا اردت ان تحقق الايرادات من المؤسسات ستحرص على مساعدة تلك المؤسسات بإيجاد المختصين و توفير الادوات اللازمة لتحقيق ذلك. و ربما تقوم بعمل نموذج باشتراك شهري تحصل المؤسسات المشتركه على كل ما تريد من مساعدة لإنجاح ادارة خدماتها و حملاتها الاجتماعية. بينما، إذا كان التركيز على اخصائيين التسويق من المحتمل ستقدم لهم ما يحتاجون له للحصول على عروض وظيفية اكثر. ربما تقوم بعمل نموذج يعتمد على اخذ حصة (عمولة) من مكاسب هؤلاء عن اي عمل مدفوع يحصل عليه الاخصائي من خلال المنصة. شاهدت كيف ان تطوير المنصة و النموذج تغيرا كلياً فقط بتغيير من يجب أن نركز عليه من شرائح العملاء.
الاحتمالات عديدة في نماذج المنصات و الاسواق. لكن ما حاولت أن اسلط الضوء عليه و ان اجعلك تفكر به. انني اجد مشاريع تحاول ان تكون منصات او اسواق و لديها شريحتين او اكثر و تحاول ان ترضي الجميع و تريد ان تصبح كل شيء لكل من تلك الشرائح. هذا سيتطلب جهد و استثمار كبير في المال، الوقت و الجهد. و ما هو مؤلم انك تجد لاحقاً، انه كان فقط عليك ان تركز على شريحة واحدة المهتمة و التي حقاً تجد فيما تقدم قيمة و مستعده للدفع مقابلها و الشريحة أو الشرائح الاخرى ستأتي إلا اذا كنت نموذج اعلانات (مثل قووقل و فيسبوك) و لديك استثمار و قيمة مقنعة لهؤلاء المعلنون. هذا شيء آخر.
لا تدري من هم المستعدين للدفع؟
اكتب القيمة التي تريد تقديمها لكل شريحة في المنصة على تخطيط نموذج عمل مشروعك. ثم اذهب و اعمل مقابلات مع افراد هذه الشرائح (في كتاب مصنع المشاريع الريادية – يوجد فصل مخصص لعمل مقابلات مفيدة) اسألهم و تعلم منهم. اي من شرائح العملاء تلك بعدما عملت معهم المقابلات تجد افرادها يتحلون بهذه الصفات:
- لديهم مشكلة.
- يدركون أن لديهم مشكلة.
- لديهم ميزانية و مستعدين للدفع مقابل حل للمشكلة.
- ربما عملوا من عدة منتجات أو خدمات حل مؤقت لحل مشكلتهم.
هؤلاء كما يقول ستيف بلانك المناصرين الأوائل (earlyvangelists). و هم من ربما تود ان تركز عليهم في البداية لمنصتك و تطور الخدمة لهم في المقام الأول.
صورة غلاف المقالة من فيلم Jerry Maguire و الاقتباس من احد مشاهد الفيلم و معناه “أرني المال”.